بعد ساعات من هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي تبارى كثير من المحللين الاستراتيجيين والمعلقين والسياسيين من كل حدب وصوب وفي مختلف وسائل الإعلام، الذين وصفوا العملية بأنها هجوم نوعي، عن توزانات جديدة ومعادلات استراتيجية جديدة، فيما راحت أبواق الدعاية الصهيونية والإسرائيلية تروج لفكرة أن إسرائيل تتعرض لتهديد وجودي لتبرير حربها العدوانية على الشعب الفلسطيني في غزة، وصورت الخطر الذي تشكله حماس على وجودها بالخطر الذي شكلته الدولة الإسلامية على العراق وسوريا وروجت لمشاهد الدمار الذي تعرضت له الموصل وحلب والرقة وغيرها من مدن سوريا نتيجة لضربات التحالف الدولي الذي تشكل لمواجهة الدولة الإسلامية التي أعلنها أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه ونصبه من بايعوه خليفة للمسلمين..
اليوم نتساءل عن التوازنات الجديدة والمعادلة الاستراتيجية الجديدة التي تتبلور بعد حرب مستمرة منذ ما يقرب من 13 شهراً، ولا يعلم أحد متى وكيف يمكن أن تنتهي، سيكون في صالح من؟ علينا أن نطرح هذا السؤال وبقوة وأن نجيب عنه بصراحة، بعيدا عن تصوراتنا الأيديولوجيا المسبقة، وبعيداً عن انحيازاتنا الأخلاقية والمبدئية، والأهم بعيدا عن تمنياتنا وتطلعاتنا، إذا أردنا وضع استراتيجيات جادة للتعامل مع الموقف، علينا أن نجري تحليلا دقيقا لنقاط الضعف ونقاط القوة، وللتحديات التي تواجهنا والفرص التي يمكن تطويرها، وعلينا أن نضع خططا محددة وقابلة للقياس وممكنة التحقق وتتمتع بدرجة عالية من الصدقية ولها إطار زمني.
في حلقة نقاشية شاركت في ترتيبها وتنظيمها وعقدت في حزب المحافظين بعد شهرين من الحرب، كانت توقعات الحالمين بنهاية للظلم الذي تشكله إسرائيل كبيرة وكان هناك تصديق على ما يبدو لما حرصت إسرائيل على ترويجه لكسب دعم العالم أو أخراس صوته وهي ترتكب حرب إبادة ممنهجة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، أو تهجيره وكان الترويج على أشده لاتفاقات سرية مزعومة في سياق ما عرف بصفقة القرن، أو صفقات سرية لمثل هذا المخطط. لم يتقبل معظم الحاضرين في حلقة النقاش ما طرحه الدكتور جمال عبد الجواد من أن الحقيقة المؤكدة، بعد انتهاء هذه الحرب أن إسرائيل ستبقى وستبقى حماس أيضاً، وقتها رد البعض بأن هذا استنتاج متعجل، والحقيقة أنه استنتاج لا يروق لهم، وأن هناك متغيرات كثيرة على الأرض..
نعم هناك متغيرات كثيرة على الأرض قبل الهجوم وأثناءه وحاولت رصدها وتحليل تأثيراتها في سلسلة المقالات التي كتبتها من خلال موقع صحيفة المشهد، التي تعد الآن من أكثر المنابر الصحفية والإعلامية انفتاحا لمختلف الآراء والتوجهات، لكنها للأسف ليست في صالح الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. كتبت هذه المقالات بتحليل بارد. وعندما اقترح عليّ رئيس تحريرها تقديمها لمسابقة المقال الصحفي متوقعاً أن تفوز بالجائزة الأولى، قبلت وبداخلي قناعة بأن مثل هذه المقالات لن تفوز بأي جائزة لا لشيء إلا لأنها صادمة لكثير من القناعات التي ترقى لمستوى العقيدة لدى كثير من النخبة.
ليس أمامي سبيل آخر سوى أن أكتب وأعلن ما آراه صوابا ومتفقا مع العقل والمنطق، وهو لا يرضي المناصرين على جبهتي القتال، لإيماني بأن المثقف صاحب موقف ورأي، وأن رصيده في هو الحفاظ على استقلاليته وحرصه الشديد على ألا يكتب ما يرضي الناس، وأن الصحفي ليس بوقاً دعائيا او إعلاميا لصالح أو ضد هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع وإنما مهمته أن يرصد الواقع ويتحرى الصدق والأمانة فيما ينقله لجمهوره القراء.. وأن يقول الحقيقة، حتى لو كانت مرة أو صادمة خير من أن يدغدغ مشاعرهم ويتلاعب بأحلامهم وتطلعاتهم. وتعلمنا أن نتيجة دغدغة المشاعر والتلاعب بالأحلام غالبا ما تكون كارثية لأن الناس تفيق من غيبوبتها وشعورها بالنشوة على واقع جديد عليهم أن يكافحوا لتغييره.
--------------------------------
بقلم: أشرف راضي